مسابقة الدولة البوسعيدية

السلطان العثماني الذي أرسل رسالة اعتذار للإمام أحمد بن سعيد بسبب رد الوالي مصطفى باشا مساعدات الإمام لتحرير البصرة عام 1777م هو السلطان عبد الحميد الأول (1774-1789م). ومن خلال الاطلاع على الوثيقة العثمانية المنشورة في الجزء الأول من كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية" الصادر عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، فقد جاء توصيف الوثيقة: "رسالة من السلطان العثماني عبد الحميد الأول إلى إمام مسقط أحمد بن سعيد يقدم فيها الاعتذار عن السلوك غير اللائق من مصطفى باشا -والي البصرة السابق- الذي أعاد مساعدات الإمام للدولة العثمانية ضد الفرس". كما يشير توصيف الوثيقة المترجم إلى اللغة العربية بأنه تم إعدام مصطفى باشا بسبب هذا الموضوع. وهذه الوثيقة مؤرخة بتاريخ: (1 جمادى الآخرة 1191هـ/ 7 يوليو 1777م).
إن قراءة متفحصة لمضمون هذه الوثيقة يؤكد أن الإمام أحمد بن سعيد أرسل أكثر من حملة لمساعدة البصرة في فك حصارها من قبل الفرس في سنوات متفرقة من عام 1775م، و1776م، و1777م وهو ما تشير إليه الوثائق العثمانية المنشورة في الجزء الأول من كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية". ففي وثيقة عنوانها: "طلب حول إرسال مرسوم إلى إمام مسقط معرباً عن الامتنان بشأن إرساله سفناً مع ابنه لمساعدة البصرة"، مؤرخة في: (23 جمادى الأولى 1191هـ/ 29 يونيو 1777م)، جاء فيها: "هناك مراسلات مستمرة منذ القدم بين الإمام والولاة، حيث كانت علاقات ودية وإخلاص بينهم، وحتى أن الرسوم الجمركية لم تحصّل من تجارهم الذين يأتون إلى ميناء البصرة، لجبر خواطر الولاة. لكن ونظراً لوجود صراع بينهم وبين الفرس كتب الراحل عمر باشا رسالة إلى الإمام وطلب فيها المساعدة بسبب محاولة الفرس الاعتداء على ميناء البصرة العام الماضي. وبناءً على هذا الطلب أرسل الإمام ابنه إلى البصرة مع ثلاثين أو أربعين سفينة مختلفة الأحجام".
ومن تتبع مسار الأحداث التاريخية وما يؤكدها من وثائق فقد رد الإمام أحمد بن سعيد على رسالة السلطان عبد الحميد الأول برسالة بدأ فيها بحمد الله والدعاء للسلطان، ثم يذكر استلام رسالة السلطان ببهجة وفرح على الرغم من وجود مسافات طويلة بين البلدين، ويفيد الإمام أحمد في رسالته أيضاً، بأن الفرس حاولوا غزو أراضي عُمان عدة مرات لكنهم فشلوا. ويعرب عن استعداده للتعاون مع الدولة العثمانية ضد الفرس، مفيداً بأنه قد ارتدى القفطان الذي أرسله له السلطان عبد الحميد الأول". هذه الرسالة مؤرخة في: (16 ربيع الأول 1193هـ 3 أبريل 1779م).
كما يظهر عمق العلاقة ومتانتها بين السلطان العثماني عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد من خلال استمرار المراسلات بين الطرفين، وتبادل الهدايا، ومنح بعض الامتيازات للتجار العُمانيين، وحماية الحجاج العُمانيين. ومن أمثلة ذلك استمرار المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد بعد سقوط البصرة سنة 1776م إلى انسحاب الفرس منها في عام 1779م، وهو ما تكشفه مكاتبة مرسلة من السلطان العثماني للإمام أحمد تتضمن إخباره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، كما أن السلطان العثماني عندما أراد عقد صلح مع الفرس كان حريصاً على إبلاغ الإمام أحمد بذلك فكان رد الإمام أن الصلح خير للجميع، ولا يوجد خلاف عليه، وإذا رأى السلطان بأن ذلك في صالح المسلمين فنحن معه. 
 
عموماً توالت الرسائل بين الإمام أحمد بن سعيد والسلطان عبد الحميد الأول سواء حول تنسيق الجهود في استتاب الأمن في ميناء البصرة أو حماية الحجاج العُمانيين فقد أرسل الإمام أحمد بن سعيد رسالة إلى الصدر الأعظم العثماني يطلب عدم تلقي أموال من الحجاج العُمانيين وأن يتمكنوا من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة بأمان، وأن تتم حمايتهم من جميع أنواع المخاطر وهذه الرسالة مؤرخة في: (20 شعبان 1193هـ/ 2 سبتمبر 17779م).  
كما يتضح من خلال الوثائق بأن العلاقة العثمانية العُمانية حافظت على حيويتها حتى بعد وفاة الإمام أحمد بن سعيد في عام 1783م، واستمرت العلاقات الطيبة بين الدولة العثمانية والعُمانيين في عهد السيد سلطان ابن الإمام أحمد (1206-1219هـ/ 1792-1804م) في ضوء الجهود التي قدمها والده الإمام أحمد لاستتاب الأمن والاستقرار في ميناء البصرة والخليج بصفة عامة، فكانت هنالك زيارات متواصلة للسيد سلطان لميناء البصرة لاستلام المكافأة السنوية المقررة من السلطان العثماني لإمام عُمان، كما هدفت تلك الزيارات الدائمة للبصرة بهدف الإشراف على تجارة عُمان الضخمة مع ميناء البصرة.

وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان ازدادت نشاطات الدولة العثمانية في الخليج العربي، كما أبدت عُمان استعدادها مع محمد علي باشا الذي نظم حفل استقبال رسمي كبير في مكة للسلطان سعيد أثناء ذهابه لأداء مناسك الحج عام 1824م. ونتيجة للنشاط التجاري المهم والمؤثر للسلطان سعيد في كل من عُمان وشرق أفريقيا زادت إيرادات البلاد عدة أضعاف، خاصة من خلال احتفاظه بتجارة القرنفل، حيث حثت الرسائل المرسلة من الولاة إلى مكتب الصدارة، على ضرورة تقريب إمام مسقط من الدولة العثمانية، وتعزيز العلاقات.

وبعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان عام 1856م استمرت الدولة العثمانية في الحفاظ على علاقاتها وخاصة التجارية والدبلوماسية، مع كل من سلطان عُمان ثويني بن سعيد (1856-1866م)، وسلطان زنجبار ماجد بن سعيد (1856-1870م).

ولمزيد من الاطلاع على العلاقات العُمانية العثمانية من ناحية تاريخية وثائقية يمكن الرجوع إلى كتاب: "عُمان في الوثائق العثمانية ثلاثمائة وسبعون عامًا من العلاقات التاريخية" في 3 أجزاء، تتكون من الوثائق الأرشيفية العثمانية حول العلاقات العثمانية العُمانية في العديد من الجوانب غير المعروفة في تاريخ عُمان، والكشف عن أدق التقييمات للأحداث التاريخية تم من خلالها تم مقارنة الوثائق الأرشيفية وغيرها من المصادر المباشرة مع تلك الموجودة في بلدان مختلفة، كما يضم هذا الإصدار العديد من الوثائق العثمانية والعُمانية، والخرائط والصور، من الأرشيف العُماني لدى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وكذلك وثائق من الأرشيف العثماني. وهناك جزء رابع بعنوان: "العلاقات العُمانية التركية في وثائق الجمهورية التركية"، وجزء خامس بعنوان: "العلاقات العُمانية التركية من منظور الأرشيف الدبلوماسي".
الجدير بالذكر أن الدولة العثمانية، أو الدولة العلية العثمانية، أو الخلافة العثمانية هي امبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل في 27 يوليو 1299م واستمرت الخلافة العثمانية حتى 29 أكتوبر 1923م، ودامت لما يقرب من 624 عاماً. بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: أوروبا وآسيا وأفريقيا. في الربع الثاني من القرن السادس عشر الميلادي بدأ توسع الدولة العثمانية باتجاه الخليج العربي، وبالتحديد في عام 1534م بدأت سيطرة الدولة العثمانية على الخليج عدا عُمان، فأخضعت بغداد لسلطتها في عام 1534م، ثم البصرة في عام 1538م، ثم إقليم الإحساء في عام 1592م. خلال هذه الفترة التاريخية كان جزء من عُمان خاضع تحت سلطة المستعمر البرتغالي، واستطاعت عُمان بأسطولها البحري القوي في عهد دولة اليعاربة (1034-1156هـ/ 1624-1744م) من إنهاء النفوذ البرتغالي عليها وعلى الخليج والمحيط الهندي، فكانت بذلك مستقلة سياسياً ولم تخضع لنفوذ الدولة العثمانية بل كانت العلاقة ودية بين الطرفين. ومن أوجه تلك العلاقة مساهمة العثمانيين في التصدي للبرتغاليين في المياه العُمانية، ونجاح الأسطول العثماني في الوصول إلى مسقط وهزيمة الحامية البرتغالية في عام 1552م، وأسر عددٍ منهم، ثم خرج الأسطول العثماني من مسقط نحو هرمز بعد الفشل في الوصول إلى قلعتها الحصينة.

 

 

What is مسابقة الدولة البوسعيدية?

مسابقة الدولة البوسعيدية بمناسبة مرور 280 عامًا على تأسيس الدولة البوسعيدية تقدمها الباحثة الدكتورة أحلام الجهورية