وراء كل خبر حكايات مؤثرة، ومعان مضمرة، نختار أهمها ونعرضها لك في دقائق لتفهم قضاياك بعمق
استمعوا الى فصول بودكاست من الحرة بودكاست صباح كل اثنين
بودكاست فصول – نروي معا فصول الحكاية
المقدمة 1
جميلة:
" في الصباح// جاءت السيارات// توقفت خارج القرية// وأغلقت طريق الجبل "
أحمد خير:
الوقتُ متأخرٌ جداً. لا مجالَ للهرب. أغلقَ داعش على سكانِ كوجو الطريق… طريقَ جبلِ سنجار.
كوجو قرية نائية.. واليوم، الثالث من أغسطس، عامَ ألفين وأربعةَ عشر، يشعر أهلُ كوجو أنهم تركوا لمصيرِهم.
جميلة:
"أغلق الناس بيوتهم، وجلسوا في انتظار معجزة"
أحمد خير:
المعجزة لم تأت.
هذه حكاية من العراق.. حكاية مجزرة.
أحمد خير:
تسعُ سنوات.. والزمن/ زمن الفاجعة/ توقف/ عند تلك اللحظة/ عندما جاءت المركبات بالموت.
هو زمن الفاجعة الممتد/ في قلوب الضحايا/ من ظلّ منهم على قيدِ الحياة/.
ونحن/ بعد تسع سنوات/ كيف نتذكر مأساة الأيزيديين؟
الزميلة ميادة داود كتبت لموقع (ارفع صوتك) تقريرا من كوجو يحكي بتفاصيلَ مباشرةٍ وحارة كيف نفذ داعش مجزرة هناك.. قتل كلَ الرجال، وسبى الأطفالَ والنساء.
أحمد خير:
حفاظا على خصوصية من تحدث معهم "ارفع صوتك"، و لحمايتِهم، لن ننشرَ تسجيلاتٍ بأصواتِهم.
اخترنا لبعض شخصياتِ القصة أسماءً غيرَ حقيقية.
الاقتباساتُ تعبر عمّا قاله لنا الناجون من المجزرة، لكننا نورد الاقتباساتِ هنا بتصرف لمراعاة الدقة والوضوح،وبأصوات مذيعي الحرة بودكاست
عبد العالي الزهر يقرأ تقرير ارفع صوتك، وقد أعده لبودكاست فصول.
بشار العزاوي هو مخرج هذه الحلقة.
و أنا أحمد خير الدين.. معا نروي فصول الحكاية.
القصة:
عبدالعالي:
على أطرافِ قريةِ كوجو اصطفت سياراتُ داعش رباعيةُ الدفع..
سيارةٌ منها قصدت ديوانَ مختارِ القرية أحمد جاسو..
كان على متن هذه السيارة وفدٌ يترأسُه أحدُ أمراءِ داعش.. اسمُه أبو حمزة.
داخلَ الديوان، طمأنَ أبو حمزة مختارَ القرية، وعدَهَ أن الأذى لن يلحقَ أحدا من السكان ، شرطَ أن يلزمَ الجميعُ منازلَهم و ويسلموا أسلحتَهم!
على مضض!! وافق المختار على شروط داعش !
جميلة:
" لما بدا داعش يجمع الأسلحة من البيوت// كان المختار يتصل ويطلب المساعدة والنجدة//
اتصل بأعضاء في حكومة بغداد// و في حكومة الإقليم// وبشيوخ العشائر العربية"
عبدالعالي:
هذه جميلة ابنة أحد شيوخ القرية
تتذكر كيف حصل المختار على تطمينات من بعض شيوخ القرى ، بينما كانت القرية في هذا الوقت تطوقها عناصر داعش
جميلة:
"طوقنا داعش وحاصرنا عدة أيام// كنا خائفين رغم وعود الأمان// سمعنا عن أخبار القتل ƒ
عبدالعالي:
في الأيام القليلة، التي حوصرت فيها قرية كوجو، كانت مناطقُ أيزيديةٌ أخرى تتعرض إلى إبادةٍ وتشريد شملت أكثرَ من مئتين وخمسينَ ألفَ نسمة.
بعد عدة أيام من تسليم الأسلحة، عاد القيادي في داعش أبو حمزة إلى قرية كوجو:
جميلة:
"كانت لهجته مختلفة، خير السكان بين الانضمام إلى داعش أو الموت".
عبدالعالي:
الانضمام إلى داعش؟
صُدم مختارُ القرية!
في محاولة لكسب بعض الوقت، طلب المختار مهلةً أخرى. قال سأعرضُ الموضوع على سكان القرية. حاول المختار أن يستغلَ المهلةَ في إيجاد طريقة آمنة للهروب. اتصل بجميع أصدقائه هاتفياً، لكن لم يساعدْه أحد.
بعد انتهاء المهلة، التقى مختارُ القرية مجددا بأمير داعش أبو حمزة، أخبرَه بأن الأيامَ القليلةَ الماضية لم تكن كافيةً لإقناعِ جميعِ السكان بالانضمام إلى التنظيم!! طلب منه مزيدا من الوقت. لكن ردَ أبو حمزة كان غير متوقع:
جميلة: :
" قال للمختار إذا نحن سكان القرية رفضنا عرض التنظيم بالانضمام إليهم، سيتم إجلاء الجميع إلى جبل سنجار."
عبدالعالي:
بعدَ بضعةِ أيام ، جاء أبو حمزة إلى منزل المختار، وغادر بغضب، لم تقنعْه إجاباتُ المختار عندما سأله أبو حمزة عن عملية فرار نفذها سكان قرية مجاورة تدعى الحاتمية، اتهم أبو حمزة المختار جاسو بالتواطؤ!
بعد أيام عاد أبو حمزة إلى القرية يترقب ردا بشأن عرضه لسكان كوجو.
في ذلك اليوم خرج غاضبا من بيت المختار، لم تقنعْه إجاباتُ أحمد جاسو بشأن عملية فرار نفذها سكان قرية مجاورة، تدعى الحاتمية!
اتهم أبو حمزة المختار بالتواطؤ وتوعده بالعقاب!
جميلة: :
" هرب أهل الحاتمية في الليل. أبو حمزة قال للمختار: ما حصل لن يمر دون عقاب"
موسيقى
عبدالعالي:
مرت عدة أيام، وسكان القرية في رعب.. يتوقعون الأسوأ.
من جديد عاد أبو حمزة إلى ديوان المختار.
كمال حفيد المختار:
"هذي المرة، أبو حمزة هادئ ومرتاح"
عبدالعالي:
هذا ما يتذكره كمال، وهو أحد أحفاد المختار أحمد جاسو
كمال:
"أنا كنت مع والدي وجدي في الطابق الأرضي. في المدرسة، كان أكثر من 100 مسلح بعضهم معروف لنا طلبوا منا الجلوس على الأرض، ثم وصل أبو حمزة.
عبدالعالي:
قبل أن يذهب أهل كوجو إلى المدرسة، اجتمع أبو حمزة مع وجهاء القرية في ديوان المختار ، أبلغهم أن التنظيم أصدر عفواً عاماً عن سكان القرية وأنه سيتم إجلاؤهم إلى مدرسة القرية ثم إلى الجبل شرطَ الحصولِ على الغنائم.
فرح أهالي القرية ،اتجهوا إلى المدرسة! طُلِب من الرجال البقاء في الطابق الأرضي، فيما صعدت النساء مع أطفالهن إلى الطابق الأول".
كمال:
وقال لنا إنهم لن يؤذونا وإذا كنا لا نرغب بالانضمام لداعش يأخذنا إلى الجبل ولن يتعرض أحد لنا، وطلب منا ان كنا نرغب بالبقاء معه ،فلم يرفع أي من الرجال يده"
عبدالعالي:
ردا على رفض رجال كوجو الانضمام إلى داعش !
طلب أبو حمزة من سكان القرية أن يسلموا مفاتيح السيارات وكلَ ما بحوزتهم من أموال وذهب.
كمال:
"كل شيء حتى حلوق الفتيات الصغيرات وخواتم الزواج، البعض تردد في إعطاء مفاتيح السيارات فصرخ جدي قائلاً: أعطوهم كل ما يريدون فقط نريد النجاة بأرواحنا".
جميلة: :
" مختار القرية أول ما طلب، طلب من أكبر بناته أن تتقدم وتعطي داعش ذهبها. كان عندها حزام ذهب. أعطتهم. طلب منها نزع حلقها وخاتم زواجها. قال إن داعش يعاقب من تخبئ أي ذهب أو مال". قال لها "أعطيهم كل شيء الله يرضى عليك".
عبدالعالي
أجلى داعش الرجالَ جميعَهم باستثناء مختار القرية الذي بقي بصحبة أبو حمزة في مدخل المدرسة.
بعد ذلك بدقائق،سمع دوي اطلاق نار.
جميلة:
"سمعنا صوت إطلاق نار كثيف وبعيد، سألنا أحد عناصر داعش. قال إنهم أطلقوا النار على كلاب سائبة هاجمتهم في الطريق".
عبدالعالي:
كان إدريس بشار قد انتصفت به الأربعون، وله زوجة وخمسة من الأبناء الذكور، حين اقتاده مسلحو داعش نحو الجبل ضمن فوج الإجلاء الثاني رفقة ابنه الأكبر.
إدريس بشار:
حين خرجنا من حدود القرية غيرت السيارة طريقها من اتجاه جبل سنجار إلى بستان بعيد. هنا عرفنا الخدعة وأنه فخ لإعدامنا".
عبدالعالي:
امتلأت عينا ادريس بالدموع و هو يتذكر ما حدث.. مرت ثماني سنوات لكن الجرحَ مازال غائرا.. ذاكرة الرجل تفيض بالمشاهد المؤلمة، يتذكرُ كيف أجبرَهم عناصر داعش المدججون بالأسلحة على الاستدارة والوقوفِ في صفوف طويلة.. ثم أطلقوا النار.
إدريس بشار:
"لغاية هذه اللحظة ما زلت أسمع صدى وقوع خراطيش الرصاص على الأرض، وصرخات الموت الأخيرة وتكبيرات الدواعش ونحن نتساقط في حفرة حفروها لتكون مقبرة لنا".
عبدالعالي:
كانت خدعةً خبيثة! ما سمعته النساء في المدرسة لم يكن صوتَ إطلاق رصاص على كلاب سائبة، كان إعداما جماعيا. لم يكن في نية التنظيم إجلاءُ الرجال إلى الجبل أولا، كما قيل. كانت خدعةً لفصل الرجال عن النساء والأطفال ثم قتلِهم في مكان بعيد.
إدريس بشار:
لم أمت. رقدت بين الجثث. قربي كانت جثة ابني الذي كان حينها في الصف السادس الإعدادي".
عبدالعالي:
حين بدأ عناصر داعش في البحث عن ناجين، أدرك إدريس أن نهايتَه اقتربت، لم ينقذْه سوى هدير الطائرات في السماء. هرب أفرادُ التنظيم من الموقع عندما سمعوا الطائرات.
إدريس بشار:
"انسحبوا.. ثم سمعت بعض الأصوات. نحن الذين لم نمت، زحفنا خارج الحفرة. ووصلنا إلى بيت مهجور"
موسيقى
عبدالعالي:
في المدرسة، كانت عائلة المختار أحمد جاسو تنتظر دورها ضمن الفوج الأخير، تتنتظر الإجلاء إلى سنجار. وكمال حفيد المختار، الطفل ذو الاثني عشر عاما، كان هناك.
كمال:
"مسكت يد أبي وخرجنا. أحد المسلحين أوقفني وقال: ارجع إلى المدرسة أنت صغير في السن. رفضت. رفع السلاح في وجهي ودفعني بقوة. قال لي أبي أن أعود إلى أمي. عدت إلى الداخل".
عبدالعالي:
لم يبق من رجال القرية أحد سوى المختار أحمد جاسو
جميلة:
" كان المختار يجلس على كرسي في غرفة إدارة المدرسة. جاء اثنان من داعش. صغار في السن. وضع مسلح يده على كتف المختار وقال " يا الله شيخ. جاء دورك".
عبدالعالي:
نهض المختار مُرهقاً ممثتلاً لأوامر المراهقَين المسلحَين.
كمال:
" في أصبع جدي خاتم. خلعه. أخذ المسلح يد جدي ومشى إلى باب المدرسة الخلفي. وكانت هذه آخر مرة أراه".
موسيقى
عبدالعالي:
كانت جميلة تنتظر مع النساء. أحد الأطفال أخذ خطأ مع أفواج الإعدام، عاد وهو يصرخ: "إنهم يقتلون الرجال".
جميلة:
" رفضنا التصديق. كيف يمكن قتل مئات الرجال دفعة واحدة؟ قال لنا عناصر داعش إن الطفل واهم.. نحن أطلقنا النار على الكلاب السائبة وهو اعتقد أننا قتلنا الرجال".
عبدالعالي:
حين فرغ الطابق الأرضي بالكامل من الرجال بدأ التنظيم بإجلاء النساء وأطفالِهن.
جميلة:
"قالوا لنا الرجال وصلوا إلى الجبل، وبانتظارنا، صعدنا مع الأطفال إلى السيارات، ونحن نتوقع الذهاب إلى الجبل، لكن المركبات ذهبت بنا إلى معهد صولاغ. عرفنا أن لا هرب".
كمال:
كنت مع أمي مثل باقي الأطفال. توقفت السيارات عند بناية المعهد في صولاغ. كنا خائفين ولا نعرف ما هو المصير. على باب المعهد فتشوا النساء وفرزوا الكبيرات في السن عن الصغيرات".
عبدالعالي:
حين حل الليل، حُمّل الأطفال الكبار في باصات ذهبت بهم إلى الموصل و تلعفر (تلّ/اعفر).
ظل كمال مع والدته . وهكذا انفرد التنظيم بنساء كوجو وأطفالهن الصغار في بناية المعهد، ليبدأ فصل جديد من المأساة.
جميلة:
" كانت ليلة صعبة. كنا نتمنى الموت. لو قصفونا في المدرسة وقتلونا. أرحم من رؤية أولادنا ورجالنا مسحوبين إلى الإعدام. عرفنا أنهم قتلوهم. لكن تلاعبوا بنا. وكانوا يتشفون ويسخرون. قالوا لم يعد هناك رجال.. لنا جميع النساء".
موسيقى
عبدالعالي:
حل الصباح على نساء كوجو المفجوعات، طلب التنظيم من كبيرات السن التوجه إلى ساحة المعهد. قالوا لهن هذا وقت الطعام .
مرت دقائق ولم تعد النسوة... لحظة سمع صوت اطلاق نار..
جميلة:
" سمعنا صوتَ رصاصتين أو ثلاث فقط..
لاحقا، عرفنا أنهم أخذوا الأمهات خارج أسوار المعهد، ودفنوهن وهن على قيد الحياة، في حوض أسماك بمزرعة غير بعيدة. أما الإطلاقات النارية التي سمعناها فكانت للتخويف فقط"
موسيقي
عبدالعالي:
منذ ذلك اليوم، بدأ أفراد داعش في دخول غرف المعهد، وانتقاء من يريدون، وسحب أي فتاة يرغبون لها.
جميلة:
" من كانت ترفض كان نصيبها السحل والضرب حتى تفقد الوعي"
عبدالعالي:
الأطفال تم اقتيادهم إلى مراكز تدريب. هناك يتلاعبون بـ أدمغتهم، يجهزونهم للعمل الميداني أو ليصيروا انتحاريين.
أما بنات شيوخ القرية فتم تقسيمهن بين أمراء داعش بعضهن قُتلن خلال محاولات للهرب ، أو خلال استهداف قوات التحالف لبيوت أمراء التنظيم.
موسيقي
خاتمة القصة
عبدالعالي
في عام ألفين وسبعةَ عشر، وبعد ثلاث سنوات من السبي، حُررت جميلة مع اثنين فقط من أولادها الخمسة.
كمال، حفيد المختار، تم إنقاذُه من مراكز التدريب التي خصصها داعش للأطفال.
وإدريس بشار الناجي من المجزرة، قضى عامين كاملين يبحث عن ما تبقى له من أبناء، وأعاد ثلاثة منهم بالفعل.
أما قرية كوجو فلم يعد أي من الناجين إليها.. كوجو صارت قرية أشباح.